Sabha AlKam
About University
Al-Zaytoonah Private University of Jordan (henceforth, Al-Zaytoonah) was established in 1993 after receiving its license and general accreditation by Decision No. 848 on March 6, 1993. Instruction began on September 6, 1993, and since then Al-Zaytoonah has witnessed ... Read more
Academic & Administrative Staff
There are 300 faculty members of various ranks distributed among the six faculties of the University, and 80 teaching and research assistants and lab technicians. In addition, there are 210 administrative employees and 260 workers.

Al Zaytoonah University of Jordan

Blog

رواية سيدات زحل ” رؤية نسوية في الخراب “

رواية سيدات زحل

” رؤية نسوية للخراب “

The novel of: Ladies from Saturn: A feminine perspective for destruction

 

د. صبحة أحمد علقم

أستاذ مشارك / قسم اللغة العربية وآدابها / جامعة الزيتونة الأردنية

Dr. Sabha Ahmad Alkam

Associate Professor

Arabic Language and Literature Department

Al-Zaytoonah University of Jordan

Tel: 0790870602

 

 

 

 

 

ملخص

رواية سيدات زحل

 ”رؤية نسوية للخراب”

د. صبحة أحمد علقم

أستاذ مشارك / قسم اللغة العربية وآدابها / جامعة الزيتونة الأردنية

العنوان البريدي : الأردن-  عمّان

جامعة الزيتونة الأردنية

ص. ب 130  الرمز البريدي 11733

البريد الإلكتروني : sabaalkam2000@yahoo.com

يهدف هذا البحث إلى تقديم قراءة في رواية “سيدات زحل”، للكاتبة العراقية لطفية الدليمي، بوصفها رواية “نسوية” تحمل وجهة نظر، أو رؤية “نسوية” للعالم الذي يشكّل متنها السردي، عبر تحليل بنائها الروائي وعناصره الأساسية: الحدث ، والشخصيات، والمكان والزمان، وتعدد الأصوات، والميتا سرد، واللغة الشعرية ،والتصور الرمزي لكوكب زحل. وقد استدعى البحث، قبل القراءة التطبيقية، تقديم إطار نظري مكثّف من خلال الوقوف على “النظرية النسوية”، تعريفها، واختلاف معانيها، والفرق بين “النسائية” و”النسوية”، ومفهوم “السرد النسوي”: تعريفه، وعلاقته بـ “النظرية النسوية”، و”النقد النسوي” ومقولاته عن خصوصية السرد النسوي وعوالمه وتقنياته، و”السرد النسوي العربي” وأسباب ظهوره، وعوامل ازدهاره.

 (الكلمات الدالة) : النظرية النسوية، السرد النسوي، النقد النسوي، سيدات زحل، لطفية الدليمي.

Abstract

 

Ladies from Saturn : A feminine perspective for destruction

By Dr. Sabha Ahmad AlKam

Associate Professor

Arabic Language and Literature Department

Al-Zaytoonah Private University of Jordan

Amman- Jordan

P.O. Box  130 P. code 11733

Email: sabaalkam2000@yahoo.com

This paper aims at presenting a reading of the novel “ Sayyidat Zuhal”  (Ladies of Saturn ) by  the Iraqi novelist Lutfiyah Dleimi , as a feminine novel  which carries a feminine view that forms its narrative  text , by analyzing its narrative structure and its basic elements : the event and some of its magical realistic facts , characters , place and time , multi-voices  , meta narrative , poetic language and the symbolic imagination of Saturn.

This research necessitated ,before the application reading, presenting an intensive theoretical framework thorough knowledge of  “ Feminine Theory”  : its definition , its different meanings and the difference between womanly and feminism , and feminine narration  : definition and its relationship with  “ Feminine Theory” and  “Feminine Criticism “ and its views about feminine narration and spheres and techniques ,   and the Arab Feminine narration , the reasons behind its emergence and factors of its prosperity.

Key Words : Feminine Theory   , Feminine Narration , Feminine Criticism , Ladies of Saturn ,  Lutfiyah Dleimi .


أولاً: الإطار النظري

1- النظرية النسوية

تمثل “النسوية” حركة اجتماعية وسياسية وثقافية، عُرفت سابقاً بحركة تحرير المرأة، وهي “تنافح عن حقوق المرأة، وتطالب بالعدالة، ووضع حد لكافة أشكال التحيز والتمييز التي عانت منها المرأة على مدى التاريخ. غير أن النظرية النسوية تبقى متعددة الأبعاد؛ فهي لا ترتكز إلى طرح واحد أو رؤية أحادية، بل تضم صيغاً مختلفة وأشكالاً متباينةً”([1]).

لكن دلالة مصطلح “النسوية” تتسم بالخلافية والجدلية، فبعض الكتاب يشيرون به إلى حركة سياسية ظهرت في الغرب، في حين يدل عند آخرين على الاعتقاد بوجود مظالم ترزح تحت نيرها المرأة، على الرغم من عدم وجود إجماع على قائمة محددة بهذه المظالم([2]). وثمة كتّاب يعنون به، من باب التشكيك والرفض، “تعصب المرأة لبنات جنسها، وخلق شرخ فاصل بين الرجال والنساء، وعدّ عبودية المرأة في المجتمع الراهن سببها الأول مجتمع الرجال“. ويخلص هؤلاء الكتّاب إلى “أن النظرية النسوية، من الناحية الواقعية خاطئة، ولا تقدم حلاً منطقياً لقضية تحرر المرأة“([3]). أما معجمياً، فإن معجم أوكسفورد يعرّف “النسوية” بأنها حركة “تدعو إلى تحقيق حقوق المرأة على أساس المساواة بين الجنسين “([4])، ويعرفها معجم ويبستر بأنها: “النظرية التي تنادي بمساواة الجنسين سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، وتسعى كحركة سياسية إلى دعم المرأة واهتماماتها، وإلى إزالة التمييز الجنسي الذي تعاني منه“([5]).

تشتمل “النسوية”، رغم تعدد صيغها وأشكالها، على مجموعتين في الأقل من الدعاوى؛ تمثل الأولى الدعاوى المعيارية، بينما تمثل الثانية الدعاوى الوصفية. وتتعلق الأولى بالطريقة التي ينبغي (أو لا ينبغي) أن يُنظر من خلالها إلى المرأة ومعاملتها، وترتكز على تصور المجتمع لفكرة العدل، أو على تصوره الأخلاقي بشكل عام، أما الدعاوى الوصفية فتهتم بكيفية النظر إلى المرأة، ومعاملتها على أرض الواقع؛ لتؤكد عدم عدالة هذه المعاملة وتلك النظرة وأخلاقيتهما، كما تحددهما الدعاوى المعيارية([6]).

ويفرق بعض المعنيين بالنظرية النسوية بين “النسائية” و”النسوية”، فالأولى: “هي الفعاليات التي تقوم بها النساء من دون اعتبار للبعد الفكري والفلسفي… بينما النسوية تعبر عن مضمون فلسفي وفكري مقصود“([7]).

2- مفهوم السرد النسوي

يقودنا التفريق بين “النسائية” و”النسوية”، إلى الوقوف على مفهوم “السرد النسوي”، من خلال التمييز بين مصطلحين، أو مفهومين، يجري الخلط بينهما في بعض الأحيان، الأول هو “السرد النسائي”(Women’s Narrative) ، والثاني هو “السرد النسوي” ( Feminist Narrative) فالأول يشير إلى الروايات والقصص التي تكتبها النساء تحديداً، من دون أن تنطوي على رؤى خاصة بالمرأة، لكن بعض الباحثين يعترض على ذلك، ويرى أن الرواية النسائية لا تعني بالضرورة أن امرأة كتبتها بل إن موضوعها نسائي([8]). أما الثاني فإنه يشير إلى الروايات والقصص التي تحمل وجهات نظر نسوية بحتة، أو رؤى نسوية للعالم، أو تنطلق من النظرية النسوية (أو مبادئ الحركة النسائية المنظمة التي تسعى إلى نصرة المرأة في جميع المجالات)، وتشكّل محاولات لتحدي التقاليد السردية (الذكورية)، التي تسعى إلى قولبة صورة المرأة، وتعكس الأبنية الاجتماعية التي تحصرها في الأدوار الثانوية والتابعة، أو تروّج لها بوصفها “قطعة تزيينية” أو “شيئاً جميلاً”([9])، وليس صحيحاً، كما يرى بعض الدارسين، أنها محاولات تهدف، بالدرجة الأولى إلى مقاومة الرجل ورفضه، وتكثّف من حضور الصور السلبية له لتسوّغ موقفها العدائي تجاهه([10]). وفي معظم الحالات تكون هذه الروايات والقصص المناهضة لقهر المرأة من إبداع نساء خرجن من معطف الحركة النسائية، وفي حالات نادرة من إبداع رجال مناصرين لقضايا المرأة، أو يتبنون الوعي النسوي. ومن الواضح أن تحديد هذا المصطلح يستند إلى ما يحدث داخل المتن السردي، أو ما يحمل من خطاب سردي ذي طابع نسوي. وفي هذا السياق تفرق الناقدة والروائية لنا عبد الرحمن بين الكتابة النسائية والكتابة النسوية، فالكتابة النسائية، من وجهة نظهرها، هي كل ما تكتبه المرأة، بينما الكتابة النسوية هي التي تعي وتتبنى قضية المرأة([11]).

أما الناقدة اعتدال عثمان فترى أن الرواية النسوية هي الرواية التي “محورها النزعة النسوية التي ترمي إلى نقد التراث الذي يهمش المرأة…، وهي تمثل ردة الفعل الطبيعي الذي يجسد الوعي النسوي بصورة إيجابية، وتتميز في نماذجها الجيدة بجسارة تناولها للتابوهات الاجتماعية والأدبية المستقرة…، ]و[ تربط التجربة الحياتية للمرأة بما هو عام على مستوى الواقع المعاش بقضاياه وهمومه وأزماته...، ما يشير إلى موقف له بعده السياسي والاجتماعي، يتيح تقديم منظور الشخصية النسائية بوصفها كيانا إنسانيا نظيراً للرجل ومثيلا له،... ]و[ تجسيد تجربة المرأة المتعلقة بكيانها العقلي والحسي والنفسي..."([12]). ويضع الناقد سعيد يقطين الفرضية الآتية للتفريق بين “الرواية النسائية” و”الرواية النسوية”: “يمكننا أن نسمي الرواية النسائية ذات الملامح المتميزة, والميثاق السردي الخاص بها, والتجسدات المختلفة “رواية الأطروحة النسائية”، ونضع من بين أهم أسسها الانطلاق من المرأة باعتبارها ذاتاً وموضوعاً للكتابة, أما الرواية التي لايتحقق فيها هذا الأساس فيمكن التعاطي معها خارج رواية الأطروحة النسائية, وبذلك تغدو رواية الأطروحة النسائية نوعاً من الأنواع الروائية التي يمكننا الكشف عن خصوصيتها وملامحها وتشكلها وتطورها وعلاقاتها المختلفة بباقي الأنواع الروائية العربية“([13]).

في إطار هذا التمييز يمكن تحديد نوعين من الأعمال السردية: أعمال سردية “نسائية”، أي تلك التي أنتجتها كاتبات نساء، وأعمال سردية “نسوية”، أي تلك التي تحمل وجهات نظر نسوية بحتة تكشف القهر التاريخي أو المعاصر، وأنماط من التهميش التي تعرضت وتتعرض لها المرأة([14])، “وهي تجارب خاصة ببعض النساء، بمعنى أنها ليست تجارب مشتركة بين جميع النساء، كونها بالأساس اصطفاف” رؤيوي (اجتماعي، سياسي)، وأيديولوجي، وجندري (الهوية الجنسية، أو النوع الاجتماعي)(*) “يمكن أن يتبناها بعض النساء، ولا يتبناها بعضها الآخر“([15]).

ولا شك في أن هذه التجارب تتسق في توجهها “مع أفكار النقد النسوي الهادف إلى خلخلة الفكر الذكوري بكشف زيفه ومحاولة بناء خطاب جديد([16]). ويحاول هذا البحث الوقوف على النوع الثاني، من خلال رواية “سيدات زحل” للكاتبة العراقية لطفية الدليمي.

3- النقد النسوي

اتجه النقد النسوي، وهو حركة فكرية- نقدية، بصفة عامة، في بداياته إلى الاشتغال “على محورين الأول: دراسة صورة المرأة في الأدب الذي أنتجه الرجال، والآخر: دراسة النصوص التي أنتجتها النساء. ويلتقي المحوران في الواقع عند نقطة واحدة هي هوية المرأة أو ذاتها“([17])، فركز هذا النقد على عدة سمات تعرّف بالمرأة وما تكتبه من خلال خصوصية عالمها، فكرا وشعوراً، وتقويماً وإدراكاً للذات والعالم الخارجي، وتحديد سمات لغة الأنثى ومعالمها، أو “الأسلوب الأنثوي” المتميز في الكلام المنطوق (الحكي)، والكلام المكتوب، وبنية الجملة، وأنواع العلاقات بين عناصر الخطاب وخصائص الصور المجازية والخيالية([18]).

ومع تطور النقد النسوي، بتأثير من المناهج النقدية الحديثة، سعى إلى تأكيد خصوصية السرد النسوي “بوصفه تمثيلا لعالم المرأة، وذهب إلى أن تلك الخصوصية تستمد شرعيتها لأن المرأة تنتظم في سلسلة علاقات ثقافية وجسدية ونفسية مع العالم من جهة، ومع ذاتها من جهة أخرى، وهي علاقات بمقدار ما كانت في الأصل طبيعية، فإنها، بفعل الإكراهات التي مارستها الثقافة الذكورية، قد أصبحت علاقات مشوهة ومتموجة وملتبسة، لأن المرأة بذاتها قد اختُزلت إلى مكون هامشي“([19]).

يعزو بعض الناقدات النسويات العربيات ظهور “السرد النسوي” إلى عوامل عديدة أبرزها: استمرار تسلط الرجل على ميادين الحياة والإبداع، ومواصلة تهميش المرأة، وتأثر الكاتبة العربية بحركات التحرر النسائية، والفكر النسوي الغربي، ونشاط حركات تحرر نسائية في العالم العربي ساندت المرأة، وحرضتها في صراعها لانتزاع حريتها ومساواتها في الحقوق مع الرجل… إلخ.

من هؤلاء الناقدات، في سبيل التمثيل لا الحصر، الناقدة رفقة دودين، صاحبة كتاب “خطاب الرواية النسوية العربية المعاصرة”، الذي أكدت فيه أن السرد النسوي يجترح أفقا للمغايرة والاختلاف من خلال أعمال هي أقرب إلى قضية المرأة، تعبر عن تجربة تمتلك خصوصيتها، وتتوافر على معرفة معمقة بالذات.

وكذلك الناقدة نازك الأعرجي مؤلفة كتاب “صوت الأنثى: دراسة في الكتابة النسوية العربية”، الذي بينت فيه أن “الكتابة النسوية”، بشكل عام، هي التي تحقق كشف وإزاحة المنظور الذكوري الشمولي لصالح صورة المرأة ووضعها المرتجى، من أجل استكشاف وتشخيص الواقع النسوي، وتصحيح النظرة الثابتة السائدة غير المنصفة، والأحكام الراكدة الجامدة المتضادة مع حركة التاريخ وحيوية العصر الفائقة([20]).

وعلى النقيض من الأعرجي اقترحت الباحثة زهرة الجلاصي استخدام مصطلح “النص الأنثوي” بديلاً عن مصطلح “النص النسوي”، أو الكتابة النسوية، مؤكدةً على التعارض القائم بين المصطلحين من حيث الدلالة والمعنى، فمصطلح النص الأنثوي، حسب رأيها، “يعرف نفسه استناداً الى آليات الاختلاف، لا الميز، وهو في غنى عن المقابلة التقليدية “مؤنث/ مذكر” بكل محمولاتها الأيديولوجية الصدامية، … النص المؤنث ليس “النص النسائي”، ففي مصطلح “نسائي” معنى التخصيص الموحي بالحصر والانغلاق في دائرة جنس النساء، بينما ينزع “المؤنث”… إلى الاشتغال في مجال أرحب مما يخول تجاوز عقبة الفعل الاعتباطي في تصنيف الإبداع احتكاما لعوامل خارجية على غرار جنس المبدع“([21]).  

لكن ثمة دارسين ونقاداً، معارضين لمفهوم “السرد النسوي”، ومن ثم “الأدب النسوي” بشكل عام، يختزلونه إلى أنه سرد يحتفي بالجسد الأنثوي والعالم الجنسي، ويقدمهما بوصفهما محوراً تتمركز حوله التخييلات السردية، ويغض هؤلاء الدارسين والنقاد النظر، أو يستبعدون “الشبكة المتداخلة من الخلفيات التاريخية والتطلعات والمنظورات والقيم النفسية والشعورية والعقلية بالمرأة وعالمها“([22]) التي ينطوي عليها هذا السرد.

    ثانياً: القراءة التطبيقية لسيدات زحل   

1- المنحى النسوي

تعترف الروائية لطفية الدليمي، في رسالة بعثتها إلى الناقد ناظم عودة بأن روايتها “سيدات زحل”، التي تحمل عنوانا فرعيا هو “سيرة ناس ومدينة”: “تشتغل بكاملها على تقديم وجهة النظر النسوية من العالم أولا، ومن وقائع الحياة العراقية وكوارثها ثانيا، ومن العلاقة المتوترة الملتبسة بالهوية العراقية- الأنثوية والذكورية، وبالعلاقة الاستيهامية في العشق“([23]). ويؤيد الناقد عبدالله إبراهيم المنحى النسوي لـ “سيدات زحل”، في كلمته المنشورة على الغلاف الثاني للطبعة الثانية للرواية، بأنها رواية تتميز “بالرؤية الأنثوية للعالم، وبهشاشة النساء في مجتمع يمضي في صنع ملحمة القسوة دون أي ملمح للتروي، والنساء هن من يحاولن كبح تهوره… وقد عرضت الشخصية الرئيسة برؤية أنثوية تجارب مذهلة عما حدث لها ولأسرتها، ولعدد كبير من صديقاتها“([24]). وفي الاتجاه ذاته يذهب الناقد علي المسعود إلى أنها “رواية نسوية محورها “حياة البابلي”، التي دونت كل شيء وبطلاتها ابتداءً من أمها بهيجة التميمي، مروراً بفتنة ومنار وآمال وزينة وسامية وهالة وشروق ولمى وهيلين، وتنتهي بـ “برسكا برنار” الصحفية الفرنسية“([25]). أما الناقد محمد صابر عبيد، فيؤكد المنحى النسوي لهذه الرواية بتركيزه على طبقات التشكيل الشخصي الأنثوي فيها، إذ تتمظهر في كل طبقة “موجة أنثوية عارمة تقارع ذاتها والآخر والمحيط والغريب والغامض والظاهر والمتجلي، بروح عقدت صلحا غريبا داهشا بين القوة والضعف، الانتصار والهزيمة، الجسد والروح،… داخل سبيكة سردية هائلة التكثيف والبريق…”([26]).

2- البناء الروائي

2-1- الحدث

2-1-1- الأحداث المعاصرة

تنقسم الرواية إلى تسعة فصول، تحتوي على خمسة وثلاثين مشهداً، آثرت الدليمي تسمية كل واحد منها بـ “الكرّاسة”، التي تحمل عنوانا فرعيا مثل “الكرّاسة 1: بيت البابلي”، “الكرّاسة 2: سرداب الرؤيا”، “الكرّاسة 3: شارع الطاووس الأزرق”،… “الكرّاسة 35: زهرة أوكيناوا أو الجمال”. إضافة إلى ثلاثة مشاهد تقديمية، أو استهلالية في الفصل الأول تحمل العناوين الآتية” بغداد: نيسان 2008″، “هوامش في أوراق بغداد 2003- 2006″ و”بغداد 2006″. وتسرد كل كرّاسة من هذه الكرّسات، التي دونتها بطلة الرواية وساردتها “حياة البابلي” خلال سنوات الحصار والاحتلال الأمريكي للعراق، إضافةً إلى الأوراق المبعثرة التي سجلتها “البنات” عند مفوضية اللاجئين في عمّان، فجيعة أو أكثر من فجائع النسوة الشقيات اللواتي كن حبات القمح التي دارت عليها رحى الحروب في العراق، ونظم الاستبداد والظلامية الاجتماعية، وتمثّل في الوقت نفسه تقنية فنية يتكئ عليها السرد لكسر أفقيته وتقويض حدود الجنس الأدبي، على غرار ما تفعله تقنية اليوميات والمذكرات والرسائل التي تنطوي عليها هذه الرواية.

تبدأ الرواية بمونولوج (حوار داخلي) على لسان “حياة البابلي”، متسائلةً:

أنا حياة البابلي، أم أنني أخرى؟؟ ومن تكون آسيا كنعان التي أحمل جواز سفرها؟؟ أنت أنت، أجل حبيبتي، إنك هي، أنت حياة، ثقي بي… أنت حياتي” ([27]).

ويشير هذا المونولوج إلى أن شخصية “حياة البابلي” ملتبسة، وليست متيقنةً من ذاتها، ونكتشف فيما بعد أنها تتشظى في نساء أخريات، مثل “آسيا كنعان”، “زبيدة التميمية”، “فتنة”، وغيرها، وأن لهذا التشظي مدلولات كثيرة، فضلاً عن كونه يشكّل عنصراً مهيمناً في بنية الرواية، فهو يفتح باب التأويل على مصراعيه، ويطرح بضعة تساؤلات في وجه القارئ: أهي صدمة الحرب التي شطرت الشخصية الاجتماعية ودمرت وحدتها النفسية، وجعلتها تعيش في حالة فصام مؤسية جارحة؟ أم هي عملية الاحتماء بالهويات المزورة، والأسماء المنتحلة التي شهدها العراقيون بعد الاحتلال الأمريكي لبلدهم تجنباً للقتل على الهوية الطائفية([28]). كما يؤكد هذا المونولوج، وغيره من المونولوجات في الرواية التصور الذاتي للمرأة عن وضعها الوجودي، ورؤيتها الخاصة للعالم.

تسرد “سيدات زحل” قصص خمس نساء عراقيات، توجد بين الساردة وبينهما علاقة حميمة، وصحفية فرنسية يعشن جحيم الحرب عام 2003، وما تلاها من عنف وإرهاب تسببا في كثير من حالات الفقد والموت والغياب والاختطاف والاغتصاب، وغير ذلك، حيث الكل يترصد النساء: جنود الاحتلال، والمسلحون المتشددون، والميليشيات، والإداريون الفاسدون، يعشن الجحيم، حيث “بغداد تلتهم أناسها.. ما هي بغداد؟ غول؟ قدر؟ ثقب جبار أسود سينتهي بالتهام نفسه؟“([29]) .

تعاني “سيدات زحل”، وبضمنهن الراوية، العذابات والآلام نفسها، إذ يتعرضن، كما أشرنا، للتهديد والقتل والاغتصاب من جنود الاحتلال، أو من المسلحين المتطرفين على حد سواء، بل إن المسلحين كانوا “أشد وطأة عليهن من جنود الاحتلال”([30])، مما دفعهن جميعاً إلى الهرب من بغداد الى دول الجوار، وطرق أبواب منظمات اللاجئين، أو أبواب المهربين غير الشرعيين طلبا للنجاة، وقد خرجت البابلي بجواز سفر مزور يحمل اسم “آسيا كنعان”، لأنه لا يدل على دين أو طائفة أو عشيرة، خشيةً عليها من التجاذبات الطائفية، التي أودت بحياة العديد من العراقيين الأبرياء، خرجت سراً بعد أن تلقت، مثل زميلاتها، تهديداً بالقتل من هؤلاء المتطرفين، وكانت في العهد السابق، بعد أن فقدت أخويها في أكثر من حرب، ومات والدها، بعد أن اعتقل واهين عقب إعدام ولده “ماجد” الذي فر من الجيش في حرب الكويت.

تنفتح الحكايات، التي تسردها “حياة البابلي” في كرّاساتها، وتتسع بما يتهددها من اختفاء الأسماء وزوال أصحابها، وصولاً إلى لحظة لا يعود اختفاء الأسماء فيها يعنيها، وهي تدير عجلة الروي، فالحكايات، كما تصرح، لنا جميعاً، ونحن نتداول الأحزان والمسرات والموت بتبادل مواقعنا. لكن الحوادث تظل، على الرغم من ذلك، موصولةً بأسماء أصحابها، وهم بدورهم يكملون فسيفساء المشهد، مؤكدين تواشجه في سعي تغدو الرواية معه ملحمة الجماعة، وبيان حياتها التي لا تُعدّ “حياة البابلي” فيها غير العين الناظرة واللسان الناطق، وهي تتلبس في فصول العذاب عذاب ما تروي من انكسار العلاقات، وانقلاب القيم، وتحول الطبائع والأحوال، متحملةً مخاطرة أن تروي، مدركةً ما ثبته عبد الجبار النفري في موقف التيه بأن “في المخاطرة جزءا من النجاة“([31]). إنه وجه آخر من وجوه شهرزاد التي تقايض الحياة بالحكاية، وتعيد من خلال الحكاية بناء الحياة عبر وقائعها الحزينة المعتمة حيث الجرحى يتراكضون، ويتركون وراءهم سطوراً من الدم، السطور التي تنتظم على امتداد الرواية، من كرّاسة إلى أخرى، ومن شخصية إلى أخرى، فلكل شخصية مرآة حكايتها التي ترى “حياة البابلي” فيها تفاصيل حياتها([32]).

كلما أنهت “حياة البابلي” واحدةً من كرّاساتها كانت تفاجأ باختفاء الأسماء، مما جعل الأحداث تختلط، لتصبح الحكايات منسوبةً للجميع، وفي بحثها عن وسيلة تعينها وتكافئ جهد أعوام طويلة في تدوين الحكايات وحراستها، نسيت اسمها ونفسها ومن تكون، وظلت تكتب وتكتب حتى غلب عليها التشوش.

2-1-2- الأحداث التاريخية

على الرغم من أن المسار الفني للرواية يحمل ملامح السيرة الذاتية لـ “حياة البابلي”، ويأخذ من أحداث الواقع المريرة التي عاشها العراق في العقود الأخيرة مرتكزاً رئيساً له، فإن الإطلالات المتواصلة والعميقة على محطات التاريخ المأساوية، وما خالطها من حقائق وأساطير وأوهام، أعطتها نفساً ملحمياً يزاوج بين الماضي والحاضر، ويستمد حضوره الطاغي منهما([33])، فالكاتبة لطفية الدليمي لا تكتفي برصدها لوقائع الموت الراهن، بل تستدعي، أو تتمثّل وقائع الموت في العصور التاريخية القديمة، إذ تمتد الأحداث التي تتناولها زمنياً إلى تاريخ العراق السومري والبابلي، ففي واحدة من رؤى “حياة البابلي” تهرب من أور عندما كانوا يوشكون على دفنها مع الوصيفات، وتستعرض تاريخها الأنثوي تحت حكم الذكر عبر حضارات وعصور عديدة، فلا تستفيق إلا مع طبول الحرب، تقول: “أصحو على طوفان دجلة وجائحة طاعون قضت على ثلاثة أرباع سكان بغداد في عصر داود باشا.. ثم أصحو على طوفان آخر اجتاح المدينة، وحاكم استبد بالناس أطاح به غزاة دمروا ما نسيه المستبد، أفيق الآن فأجد الفناء مكتملاً، وأنا في السرداب أدون قصتي وقصة المدينة” ([34]).

ويتواصل الامتداد من تأسيس بغداد عام 762ه، في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، حينما استخلصها من أحلام سابقيه، وهو موقن من كمونها في أعماق رغبته، فكانت مدينة تولد من النار، وتستوجب الأضحية البشرية، ممتثلة بمقتل أبي حنيفة النعمان، وصلب الحلاج اللذين جاهرا بالرأي في بلاد الموت، إلى احتلالها عام 2003م، مروراً بسقوطها عام 1258م على يد هولاكو وجنوده الغازين الذين سلبوا البلاد، ونهبوا ثرواتها، واغتصبوا نساءها، وأحرقوا مكتباتها، وحولوا مدنها وحواضرها الى أكوام من رماد، والموت المُذل للمستعصم بالله، الذي لُفّ بسجادة، وأوسعه جنود الاحتلال ضرباً، ثم داسته الخيول المغولية حتى فارقت روحهُ جسده، ومن ثم فترة من حكم العثمانيين للبلد في عهد الوالي داوود باشا، والاحتلال البريطاني وانتشار الطاعون الأسود، الذي كان “يطير كالبومة فوق بغداد ومن تحته يمتد الخراب“([35]) حيث يموت ألف شخص يومياً.

وتنسج الرواية نوعاً من التقارب الدلالي بين الاحتلال المغولي والاحتلال الأمريكي، حيث لم يكن كلا الحاكمين، القديم والمعاصر، مستعداً للدفاع عن بغداد، فلا الأول ذهب بجنوده إلى “نهر جيحون” ليصد الأعداء والطامعين، ولا الثاني قاتل عند أسوار بغداد (التي توقع أن ينتحر عندها الطامعون الجدد)، ولذا لا غرابة أن يُلقى القبض عليهما ويُقتلا، وتُترك البلاد نهباً للظلاميين واللصوص وقطاع الطرق. وثمة تشابه كبير بين أولئك الذين نهبوا وأحرقوا بالأمس واليوم، فقد ورد في الكراسة التاسعة عشرة بعنوان “هولاكو في باب كلواذى” أن نهب بغداد دام “سبعة أيام لما هجم الغوغاء على المساجد والقصور والأسواق ودار سك النقود وسوق الذهب ودار الحكمة والمدرسة المستنصرية والبيمرستانات والشرابخانات… وأحرقت سوق الوراقين وسوق باعة الخز والحرير وسوق العطارين والصفارين والسراجين“([36]).

يستنتج أحد النقاد أن سرد الروائية لتاريخ بغداد القديم، حيث تجري إعادة إنتاج المكان الروائي المركزي، يمثل الطبقة الأولى (وهي طبقة النشأة والتاريخ)، وسرد تاريخها الحاضر يمثل الطبقة الثانية (وهي طبقة الراهن)، وثمة طبقة ثالثة هي طبقة المتخيل الروائي، التي “تتأرجح بين الطبقتين، وتتموج على ضفتيهما، وتنفلت منهما، وتنهل منهما، وتنفتح على مجال فضائي غائم وغير محدود“([37]).

ولاشك في أن استحضار لطفية الدليمي لكوارث التاريخ التي عاشتها المدينة، وأوجاع أهلها المتكررة يؤكد انفتاح سرد الكاتبة النسوية على القضايا التاريخية والسياسية التي تمس هموم شعبها وأمتها بالصميم، وعدم انغلاقها على قضاياها الذاتية الخاصة.

2-1-3- الواقعية السحرية

تنتمي هذه الرواية إلى “الواقعية السحرية”، وهي تيار ازدهر في روايات وقصص أمريكا اللاتينية، يقوم على الفانتازيا، التي تختلط في أحداث تلك الأعمال السردية الوقائع المعقولة باللامعقولة والممكن والمستحيل، ففي العديد من كراّساتها تصف لطفية الدليمي العالم العجائبي والمدهش الذي رافق سيرة بغداد منذ نشأتها حتى ما بعد الاحتلال الأمريكي. وعبر هذه السردية السحرية، تحاول، كما يقول الناقد ناظم عودة، اكتشاف خصائص هذه المدينة العجيبة وإعادة صياغتها على وفق وجهة نظر تستوعب ما هو تاريخي وسياسي واجتماعي وثقافي في إطار من السرد الذي يريد أن يفسر الحاضر بالماضي، وينظر إلى مستقبل محطم بعين الماضي الجريحة أيضا. وعلى هذا، ليس من الممكن تحاشي تداخل الأزمنة والأمكنة والشخصيات إلا عبر استعمال الفنتازيا والخرافة لتقديم صيغة أسلوبية مقبولة لدى قارئ عايش جزءاً من تلك الأحداث البغدادية. وهكذا، فإن “سيدات زحل” تعيد تنشيط المتون الفجائعية عبر أساليب سردية شيقة، حتى كأننا نقرأ تاريخاً وجيزاً ومكثفا لتلك الفجائع التي لازمت بغداد كطالع شؤم مثل طالع زحل في الميثولوجيا القديمة. وكانت “الكراسات السردية” طريقة أسلوبية موفقة لقص تلك الفجائع القديمة والمعاصرة على حد سواء، فالماضي يزحف باتجاه الحاضر، والحاضر يتقهقر نحو الماضي بإيقاع سردي متسارع يضاعف من ضربات قلب القارئ الذي وقع تحت وطأة سرد مأساوي([38]). لكن من زاوية أخرى يمكن اعتبار ذلك رؤيةً فلسفيةً ترى في الزمن فعلاً يمكن استعادته كما تستعاد الأرواح عبر “الحلول”. نقرأ في الرواية أنموذجاً من هذه الواقعية السحرية:”أبو نؤاس كان يترنح ثملاً والدموع تسح على وجنتيه الضامرتين ما بين فندق الميريديان والشيراتون اللذين استوطنت فيهما القوات الأمريكية ووسائل الإعلام الأجنبية، جندي من المارينز أطلق الرصاص من مكمنه نحو الشاعر المترنح…]لكنه[ يمضي قدماً غير آبه بالنار، يهبط إلى شاطئ دجلة صحبة شهريار... تتقدمهما شهرزاد بغلالاتها الدخانية وخلالخيل الذهب تصلصل مع خطوتها... رأيتهم ثلاثتهم يمضون في زورق صغير، وأبو نؤاس يحرك المجذافين ليغيبوا مع انحدار دجلة"([39]).

2-2- الشخصيات

ترسم لطفية الدليمي لكل شخصية مساراً محدداً يتناسب مع سياق الرواية، لكن ما يجمع شخصياتها الرئيسة، وفي المقدمة منها النسائية، أنها لا تجد فكاكاً من مواجهة الطغاة والظلم والاغتراب سوى التوهم بفراديس غائبة، هي فراديس وعيها الداخلي، الذي يعادل في سيرورته ما هو مقابل لثنائية تعويضية للحضور إزاء الغياب، أو الحياة إزاء الموت، أو الفردوس إزاء الجحيم، وكأنها تقول في هذا الإطار إن هذه الشخصيات ضحايا لمصائرهن وأقدارهن، التي ظلت ميثولوجيا الرعب العراقي تتلاعب بها بامتياز، لكنهن بالمقابل يمتلكن القوة الداخلية لمواجهتها([40]). من أبرز هذه الشخصيات النسائية:

 حياة البابلي

امرأة في التاسعة والثلاثين، صحفية وكاتبة، تمتلك شخصية قوية ومؤثرة، تروي أحداث الرواية، وتسعى إلى إيجاد إجابات عن تساؤلاتها المحيرة، وهي حالمة وعاشقة المستحيل، اندغمت بكل قلقها الإنساني مع البطلة الأسطورية بكل سحريتها وتعاليها، واعتنقت شعار الحب في زمن الموتى، وشبهت نفسها بـ “زبيدة التميمية” التي عاشت واقعة عشقها الخاطف مع “ناجي الراشدي”، زمن الوالي داوود باشا، كما جازفت “حياة”، ممتثلةً بإغواء المخاطرة، ضمن متاهات التاريخ وتلفيقات رواته، لترتّق ضياع المعالم في نسيج حكايات تستلهم الخرافة عن التاريخ وأهل الخلافة والبرابرة وأهل الظرافة.

تنحدر “حياة البابلي” من طبقة اجتماعية وسطى، فجدها “رشيد البابلي” ضابط قتله الانجليز في الحبانية أيام حركة رشيد عالي الكيلاني ضدهم أول الأربعينيات، وأبوها “عدنان البابلي” أستاذ جامعي ذو خلفية يسارية، وأمها “بهيجة التميمي” مناضلة سياسية ذات ميول ليبرالية اعتُقلت في العام 1968، وطليقها “حازم” أستاذ جامعي في العلوم السياسية، وناشط في حقوق الإنسان أخصاه النظام السابق عقاباً على نشاطه السياسي، وهي مثقلة بحكايا المصائر لأشخاص غيبهم الموت والسلطة، ووارثة آلام الأرواح التي نسخت منها، فالتناسخ لم يكن مجرد حلول روحي محضٍ، وإنما هو تناسخ وحلول لآلام تلك الأرواح وفجائع عصرها . لم تيأس “حياة البابلي” من الحب، وإن لم تفز بحبيبها، بل آمنت به كونه المصد الذي سيقصم ظهر الشرور، فانطلقت تبشر بالحب القادم الذي سيبزغ لا ريب من بين رماد الحرائق التي شوهت قلب بغداد وجسدها وروحها معا، وإذا لم يكن اليوم فغداً سيحدث ذلك، وهكذا بقيت مترددة من دعوة عمها الشيخ “قيدار” لها للالتحاق به في نهاية الرواية، ولم تجبه بشيء لأن أملها بالحب لا يزال فاعلاً، الحب الذي لا تراه ارتباط جسدين وحوار روحين فحسب، بل أيضاً إعادة خلق الزمن والمصير بالأصابع المشتعلة، ميلاد من جسد الحرب، ضوء من حريق الماضي، نفحة من رياض الحقيقة.

وهكذا، فإن “حياة البابلي” المشتتة الهوية ما بين “حياة البابلي” و”آسيا كنعان” “هي، بصورة وأخرى، كناية لبغداد الممزقة الهوية أيضاً” ([41]).

     منار

طبيبة تتعرض للتهديد بالقتل، مثل شقيقها الأستاذ الجامعي “رافد”، من طرف المسلحين الإسلاميين المتطرفين، الذين أطلقوا على أنفسهم صفة “المجاهدين”، بتهمة التعاون مع العدو، وتسلُّم أدوية من جهة أجنبية وتوزيعها على المستشفيات التي تعاني من نقص حاد في الأدوية الأساسية. وحين ترفض الرضوخ لتهديداتهم يفاجئها ذات مساء رمضاني أربعة رجال ملثمين، يدهمون منزلها في “شارع الطاووس الأزرق”، ويتناوبون على إيذائها، رجال تصفهم بأنهم ذوو “أصوات فتية، وحانقة وسوقية، لهجاتهم خليط من لهجات الوسط الريفي، رجال لهم رائحة اصطبل ورماد“([42])، ثم يطلق عليها أحدهم رصاصةً تخترق ذراعها، فيظن أنها ماتت، ويخبر أميره بهاتفه النقال بإنجاز المطلوب بطريقة منفرة ([43])، وقبل أن يغادروا المنزل يقتلون أخاها الدكتور “رافد” بحجة أنه ملحد وكافر يؤمن بنظرية دارون التي تقول بأن أصل البشر ينحدر من سلالة القرود، كما يقتلون والدتها، ويصلون في الحديقة، ويتناولون وجبة الإفطار الرمضاني التي هيأتها قبل أن تلاقي مصيرها المفجع. وعندما تعود شقيقتها الدكتورة “آمال” من عيادتها إلى المنزل تكتشف أن شقيقتها لا تزال على قيد الحياة، فتنقذها في الوقت المناسب، وتقرر مغادرة البلد بعد أن ضاقت بها الدنيا في بغداد، لكنها تكتشف علامات الحمل على أختها “منار” فتقوم بإجهاضها سرّاً في عيادتها، على الرغم من أن أختها لا تتحمل أي نزف جديد وهي على هذه الحالة الصحية المتدهورة. وقد روت “حياة البابلي” حكاية “منار” برؤية داخلية، واستطاعت أن تجسد إحساساتها ومشاعرها وهي تكاد تحتضر، دون أن ترتكب أي خرق فني.

هالة

مهندسة معمارية، وخطيبة “مهند”، خريج كلية اللغات وشقيق “حياة البابلي”، شخصية مقهورة مثل صديقاتها، قالت عنها العرافة، وهي في عمر ستة شهور، “إنها تحمل في عينها اليسرى علامة هلال ستصيب أهلها بوفرة المال إذا زُوّجت لشيخ قبيلة في سن الرابعة عشرة، أو تذلهم بوفرة العار إذا تخطت عامها السادس عشر ولم تتزوج، وعليهم أن يحولوا بينها وبين لقاء رجل سيغويها وتهرب معه، ويمضي بها إلى ما وراء الزمان” ([44]).

تكاد “هالة” تفقد رُشدها بسبب فاجعة استشهاد خطيبها قبل تسرحه من الجيش بخمسة عشر يوماً. لم تمنحها الحياة في بغداد فرصة لالتقاط الأنفاس، فقد سبق أن قُتل أخوها في معارك النجف إثر الانسحاب غير المنظم للقوات العراقية من الكويت، واعتقلها المارينز بعد الاحتلال، وسجنوها في سجن “أبي غريب”، واتهمها الليفتنانت الأميركي الخلاسي “جوشوا” بأنها تقاوم القوات الأمريكية، وتتعاون مع شبكة إرهابية، وانتهى به الأمر إلى اغتصابها وهي في دورتها الشهرية، وصار أعمامها يتربصون بها بعد خروجها من السجن، فقررت مغادرة العراق، هي وأمها “سامية” تهريباً إلى سوريا بجوازي سفر مزورين دبرتهما “حياة البابلي”، هي باسم “حذام”، وأمها باسم “هناء”. وهناك ربما يحالفهما الحظ ويجري تهريبهما إلى اليونان، فيتخلصان من كوابيس البلد الفظيعة المتتالية.

راوية : شخصية معذبة، كان رأسها مطلوباً في بغداد من قاطعي الرؤوس والمتشددين، أحبت رجلاً اسمه نديم، وتعلقت به، لكنه غدر بها، وتزوج من امرأة بريطانية لها علاقة بتنسيق موضوع المعارضة العراقية مع الجهات البريطانية المختصة. كما أنه لا يريد الزواج من “راوية” بحجة أنها تنتمي إلى طيف مذهبي آخر، لذلك ظلت تحلم برجل يتزوجها، ويهرب بها خارج حدود الوطن، رغم قناعتها بأن الرجال خوّانون بالمطلق، إلاّ أنها لم يبق أمامها، في ظل الاقتتال الطائفي البشع الذي يلتهم الرجال، سوى “حامد الأخرس أبو الطيور”، الذي كان مغرماً بها، لكن حتى هذا يُقتل، فتتزوج من رجل (سامر) لا تعرفه، زواج مصلحة يقوم على عقد زواج أبيض، كما يسمونه في عرف المهربين الذين يبتزون النساء الوحيدات التواقات إلى السفر، يعبر بها الحدود إلى عمّان باعتباره محرماً، وهناك تغيرت طباعها، “تحولت إلى امرأة بمزاج ساخر تهزأ من كل شيء، ومن نفسها أولاً، أما روحها فظلت خواء، تحشو الوقت بالثرثرة، تهذي وجسدها من رماد“([45])، فتسألها حياة البابلي:

“- راوية، أهذه أنت؟؟

- أجل، راوية تغيرت، وماذا أمامي غير هذا الخيار؟؟ الحروب علمتني أن أفكر بنفسي فقط، لا أحد يستحق حب امرأة، كلهم سواء“([46])

شروق ولمى

هاتان الشخصيتان متلازمتان في كرّاسة “حياة البابلي” ، كونهما صديقتين حميمتين أقامتا سوياً أربع سنوات في بيت واحد، وكلتاهما فارسة متمرسة، لذلك لا يصح تناول كل واحدة منهما على انفراد. الأولى من أسرة صاغة مندائيين (صابئة)، والثانية عازفة كمان في الفرقة السيمفونية، أول الأمر، ثم مدرسة بعدما تركت العمل في الفرقة. إنهما حسب الراوية، حالة خاصة ازدهرت في أرض الفناء كنبتة جيء بها من أرض الحلم، ونمت وسط الشوك والقوارض واللهب، اختارتا العيش معاً، أسرتاهما عارضتا الأمر، ورفضتا خيارهما الغريب، لكن ظرفاً استجد دعى شقيق لمى يتقبل الأمر على مضض، ذلك هو ترحيب زوجته بالأمر لأن البيت لا يكفيهم جميعاً، ورغبتها في أن تكون غرفة “لمى” للأولاد، إضافةً إلى أنها حامل، ولا تتحمل أن تسمع عزفها ليل نهار وهي تتدرب على الكمان.

تضطر “شروق” إلى السفر مع والدتها المسنة إلى الدنمارك، بعد اغتيال والدها عام 1997على يد مسلحين هجموا على محله، ونهبوا محتوياته، وتترك “لمى” في انتظار أن تتدبر طريقاً للالتحاق بها في كوبنهاغن، لكن “لمى” الرقيقة لا تتحمل جحيم وحدتها ويأسها، فتصاب بالاكتئاب، وتنتحر بعد سقوط بغداد بأيام. وحين تشعر “شروق” بأنها كانت السبب في انتحار “لمى” تعود إلى بغداد، مجللةً بالحزن، لتكرّس ما تبقى من حياتها لتقديم العون للنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب بعد الاحتلال، لعل ذلك يخفف من عذابها بفقدان صديقتها وتوأم روحها وخذلانها لها، رغم أن “حياة البابلي” تحاول أن تقنعها بأن لا تلوم نفسها لأن “سقوط بغداد هو الذي قضى عليها“([47]).

أما الشخصيات الرجالية، فإن أبرزها:

الشيخ قيدار البابلي

هو عم “حياة البابلي”، كما مرّ بنا، باع بيته القديم إثر اختطاف زوجته “فتنة”، ثم أسس جمعية سرية تشتري المخطوطات الثمينة، وتحفظها في مواقع محمية لا تصلها أيدي الغوغاء. وحينما اختبأ في “سرداب الرؤى” ببيت شقيقه (أبي حياة) عكف على تحقيق مخطوطات، وترجمة عدد من الكتب عن الفارسية والتركية والهنية تتعلق بتاريخ بغداد ومتصوفتها، وترك عقب اختفائه الغامض كنزاً لا يقدر بثمن من الكتب والمصادر والمخطوطات، وعهد به الى “حياة” لأنها الإنسان الأقرب إلى عقليته المتوقدة، وذهنيته المتنورة التي تعرف قيمة الكتاب والمخطوطة والأثر الأدبي، وحمّلها مسؤولية كبيرة هي اعادة تأسيس الجمعية السرية، وجمع التبرعات من الموسرين لإنجاز الأبحاث عن مدينة بغداد وحفظ تراثها. وفي خاتمة المطاف يطلب منها أن ترافقه إلى الدير في الجبل، حيث مستودع المخطوطات الثمينة، لكنها تتذرع بانتظار حبيبها “ناجي الحجالي”، المتواري في نيقوسيا، ولا نعرف إن كانت قد رافقته أم لا، فهي تختم حوارها معه (وكذلك الرواية) متسائلةً: “هل أكتب لناجي ليلتحق بي في الجبل؟؟“([48]).

لعب الشيخ “قيدار” المختفي دور المؤسس لانبعاث ذاكرة مدينة بغداد، بعمله الكبير عن المدينة ومتصوفيها، فحين نقّب عن روح بغداد وجدها مكنونةً في قلوب العاشقين. ويرى بعض النقاد أن البحث عنه في مناطق بغدادية متعددة الهوية الإثنية يشكّل بحثاً عن المخلص الغائب بإرادته، أو المخلص المستحيل الحضور، وعن بغداد المثال، والحلم الذي انفرط في ليل العنف البهيم([49]).

     ناجي الحجالي

شخصية لا تقل غموضاً عن الشيخ “قيدار”، يقول عن نفسه: “أنا درويش هائم وكاتب يدوّن حياة المهمشين والمدن الغاربة، معني بسقوط المدن وزوال الدول، وبغداد بخاصة، وخبير في العلاج النفسي” ([50]). إنه الرجل الذي انبهر بـ “حياة البابلي” وأحبها بعد لقائهما الأول في ملتقى ثقافي عُقد في طنجة، وكان بمثابة توأمها الروحي، يوقد لها شمعة الأمل في الضفة الأخرى من الكون، حيث تاه في الركن الآخر من الكرة الأرضية لينجز كتابه الكبير عن بغداد على أمل اللقاء بـ “حياة”، ويكتب لها رسائل مترادفة من القاهرة وطنجة والقيروان ونيودلهي وأديس أبابا تستدعي المطر والفصول، ويتقاسم معها رؤى وأحلاماً “تتداخل بقوة الحب، وتتضافر كحبل النجاة لتنتشلهما من قاع الجحيم” ([51])، وهو يرفض جغرافيا الدم التي تُرسم بها المدن العربية على وجه التاريخ الملفق، ويعتبر “حياة” بدءه ومنتهاه، ويدعوها المرأة السؤال، الإجابات والتأويل والإحالة، وبلاغة الخالق فيما خلق، والظل الذي آن له أن يحط في محطة أو ميناء. وقبل أن يلتقيها كان قد تزوج زواجاً فاشلاً انتهى إلى الطلاق، وله ولد يعيش مع طليقته.

2-3- المكان والزمان

تتسع الرواية مكانياً لتمتد من بغداد إلى شمال العراق وجنوبه، وسوريا ولبنان والأردن والمغرب ونيقوسيا وتونس وبحر قزوين وتبليسي ولندن وكوبنهاغن، وسواها من المدن والحواضر التي وطأتها أقدام الشخصيات الهاربة، أو المختفية، أو الطالبة لحق اللجوء السياسي والإنساني. وتتوزع الأمكنة على أمكنة واقعية وأسطورية وحلمية وافتراضية، مفتوحة ومغلقة، آمنة ومعادية، مجازية وهندسية، نتعرّف من خلالها إلى أنماط مختلفة من النماذج والتجارب البشرية، ومعاناتها ورؤاها. ومن أبرز هذه الأمكنة التي تركز عليها الرواية:

1- “السرداب” القابع أسفل بيت “حياة البابلي”، الذي تسميه “سرداب الرؤيا”، وهو مكان مغلق يجمع بين كونه مكاناً آمناً ومكاناً معادياً في الوقت ذاته حسب علاقتها به، ومن وظائفه السردية:

- إنه بؤرة السرد في لحظته الحاضرة.

- حاضنة التاريخ وما يشع به من حروب ومجاعات وظلم واضطهاد منذ آلاف السنين.

- كان مخبأ الشيخ “قيدار” حين لاحقوه بتهمة الجمعية السرية التي أسسها، ومنبعاً لأحلامه وفتوحاته الروحانية.

- ينطوي على تاريخ أسرة البابلي برمتها.

- المكان الذي تلجأ إليه عائلة “حياة”، حسب وصية الشيخ “قيدار”، إذا ما تحققت نبوءته وأحاق الفيضان ببغداد، أو ضربت بعده بالنار.

- خزانة المدينة، وروحها المكنوزة وحرفها المخبوء.

- هو الموضع الذي تتقاطع فيه طرق الزمان.

 - المكان الذي حمى “حياة” من ثلاثة حروب، وفيه تلقت مؤازرة الموتى ومؤانستهم.

- تدوّن فيه “حياة” قصتها وقصة المدينة.

- حين ينتاب “حياة” إحساس بأنها كانت تدفن نفسها فيه طوال سنوات يصبح مكلناً معادياً تشم فيه رائحة مقبرة، وعطن التراب في العتمة، فتقرر مغادرته.

2- بيت النساء: هو بيت عائلة “حياة البابلي” في “شارع الطاووس الأزرق”، حي “الداوودي”، ببغداد. تفتتح الراوية “حياة” الحديث عنه قائلةً “كان البيت غارقاً في الظلمات“، وهو واحد من بيوت الحي، التي يتقافز المسلحون الغرباء بين حدائقها، ويطلقون نيرانهم على كل كائن في الشارع، أو يحرقونها إذا امتنع أصحابها عن فتح أبوابها لهم. تنفجر عبوة ناسفة قرب البيت في الأيام الأولى لسقوط بغداد، فتحرق بعض أشجار حديقته التي تحتسي فيها النساء الشاي. بعد الاحتلال أصبح البيت مأوى للعديد من النساء المهددات بالقتل، وكذلك بعض الأطفال المشردين، الهاربين من ملاجئ الأيتام التي غادرها موظفوها. ومن هنا جاءت تسمية البيت بـ “بيت النساء” ككناية للأمان، وفي عمّان تربط “راوية” بينه وبين شقتها في جبل الحسين، حيث تجتمع فيها النساء الباحثات عن اللجوء.

إن الاتساع المكاني في الرواية يفرض بالضرورة اتساعاً زمنياً، فأحداثها تجري في عصور وأزمنة مختلفة: العصر السومري والبابلي والعباسي، وسنوات من الاحتلالين العثماني والإنجليزي للعراق، وصولاً إلى العقود الأخيرة من حكم البعث والاحتلال الأمريكي. وإلى جانب ذلك توظف الروائية لطفية الدليمي العديد من التقنيات الزمنية، التي تتلاعب من خلالها الراوية بمجرى السرد، مثل: الاستباق، الاسترجاع، التلخيص، الحذف، التكثيف، وتقديم بعص الأحداث من زوايا زمنية متعددة.

2-4- تعدد الأصوات

تعج الرواية بالكثير من الشخصيات النسائية, التي وقفنا على بعض منها، كل امرأة لها كيانها وعوالمها وتجاربها وأحلامها ورؤيتها للعالم، وأسلوبها في التعبير، على الرغم من أن جميعها تنطلق من منظور واحد هو العداء للحرب والعنف والكراهية، والتبشير بالحب والتعايش السلمي بين الناس. بل إن الراوية تشير إلى مفهومها النسبي للحقيقة، وكيف أنه يختلف من شخصية إلى أخرى بحسب الزاوية التي تنظر منها إلى الأمر([52]). ومن هنا يمكن عدّها رواية متعددة الأصوات (بوليفونية)، كما تتعدد مستويات الكتابة فيها، تبعاً لذلك. إن الأصوات الغيرية (الآخرين)، في الفصول، أو أجزاء من الفصول، التي ترويها الشخصيات، تظهر واضحةً ومتميزةً عن صوت البطلة والراوية “حياة البابلي”، ولا سيما في كتاب الشيخ “قيدار” الذي يستخدم لغةً وأسلوباً قريبين من لغة الموروث الصوفي، كما تظهر هذه الأصوات في حوارات الشخصيات، خاصةً على لسان الأيتام الذين أفقدتهم الحرب ملجأهم وتركهم المقيمون عليها، لكي يتشردوا في الشوارع، ويصبحوا وسيلةً لتجارة الجنس، إذ تقترب لغة الحوار من العامية، ومن لغة الحياة اليومية. وكذلك على لسان الضابط الأمريكي في سجن أبي غريب الذي يتحدث بالإنجليزية، والماسير مديرة الدير العجوز التي تتحدث باللهجة الموصلية “فيرجين غوحي افغشي التخت للبنت، واغشعي اشكو بالغوزني شمزي، دشيشي وخبز غقاق من بور البنت تعباني، اغشعي كنو زعفغان المسكيني” (بمعنى: روحي افرشي السرير للبنت وشوفي ماذا في خزانة الطعام، بطيخ وجريش القمح وخبز رقاق، لأن البنت تعبانة، شوفي وجهها كأنه زعفران المسكينة) ([53]).

2-5- الميتاسرد

توظف الرواية في بعض فصولها تقنية “الميتارواية”، التي تحكي أحداث الرواية من قلب الرواية الأساسية، وتكشف أسرارها ومراجعها، ففي الفصل الأول تخصص لطفية الدليمي جزءاً كبيراً منه لحديث “حياة البابلي” عن أحداث الرواية والتأمل فيها “ينبغي أن أعمل كالساحرات وأتبع حدوسي لعلني أستطيع الفصل بين الأحداث والأزمنة والحكايات رغم تعالق المصائر وتشابكها… لا بدّ من وسيلة تعينني وتكافئ جهد أعوام طويلة في تدوين الحكايات وحراستها…” ([54]). وتخبرنا “حياة” بأنها كلما عادت إلى أوراقها تكتشف اختفاء الأسماء، وقد شرعت بكتابة كراسات منذ سنوات، وأن الحكايات كـطوفان أهوج في أنهمارها بلا منطق أو نظام أو سياق، وتتساءل عن أهمية النظام في عالم مضطرب لا يقوم على نظام “ما شأني بالنظام والاتساق في عالم مضطرب لا منطق لأحداثه؟ ماذا أفعل بالسياقات المألوفة وبغداد تتقلب في لجج النار والدم ويصرعها الجنون؟؟ فلأسرد الحكايا وما تتضمنه كراساتنا كما تتدفق وتأتيني… فـ (هي ) غالباً ما تشتبك… بين يدي ويرتبك كل شيء فأدعها على ما هي عليه وأمضي قدماً، وماذا يهم؟؟  فالزمن دوامات تلتف حولنا وأحداث ماضينا تستعاد بين دورات الزمن… فلأ تنقل بين الأزمنة وأحوال مدينتي في عصورها وحكايات البنات، وأضع صورةً من كل هذا الحطام كفسيفساء تشبهنا” ([55]). وبهذا البوح نكتشف أسرار بناء الرواية حتى قبل المضي في قراءتها.

2-6- اللغة الشعرية

كما في جميع رواياتها تشع لغة لطفية الدليمي في هذه الرواية بجماليات مميزة، وصور شعرية آسرة، ساخنة كاوية حيناً، وموجعة حيناً، ودافئة رومانسية حيناً، وحكيمة متفلسفة حيناً. وقد أجمع النقاد جلّهم الذين درسوها على ذلك. يقول الناقد علي حسن عبيد إنها لغة “لغة الحب والجمال والحقيقة، وهي لغة الخوف والموت والكوارث التي تستفرد بالنساء الوحيدات المقيمات في بيت معرض للانتهاك والسطو والاغتصاب في كل لحظة، وهي أيضا لغة الحزانى المستوحدين حين يغيب كل شيء جميل، وتتصحر الحياة وتأفل على حين غرّة، وهي اللغة التي لم تستحِ قط من عرض الوقائع بما يليق بها من خزيٍ وعارٍ حين يُقدم أحد أشباه الرجال لينال من جثة إمرأة أسقطها انفجار مباغت… يمكنك كقارئ أن تستشعر نسيم اللغة وجمالها العذب وصفاءها المذهل، فتُسعد وأنت في لجة الموت!! حيث تمنحك اللغة أسرارها وصدقها ونقاءها المشرق لدرجة أنها تستحيل إلى صور حية مغسولة ومطهرة من أدران الكذب تماماً“([56]). ويخلص الناقد إلى أنها لغة لطفية الدليمي ذات الهوية الموسيقية التي تتمخض عنها “الهزة الشعرية” لدى المتلقي. ولدينا شواهد شاخصة تؤكد هذا المنحى الفني برسوخ بالغ، ففي الصفحة الأولى من الفصل الأول نقرأ: “خفق على وجهي كجناح يمامة فأيقضني من تشوشي، تماوجت نبرته في دمي، رعشة خفية سرت في ظهري كأن أصابعه تمسد فقراتي واحدةً واحدةً وتصوغ منها قلادة الرغبات” ([57]). ونقرأ في صفحة أخرى: “الجداول نضبت ثم ملأناها دموعاً، ظهرت أنهار دم في البراري، وبقيت المدينة المخبوءة في أحلامنا سفينةً تترنح في الرمال وتغرق بين أحزاننا” ([58]). وأخيراً نقرأ في كرّاسة الختام: “الجمال ليس شيئاً مستقراً، هو كالماء أو الروح… إنه الوجه الممكن للبحر والحالة المستحيلة للضوء، المفردة اللامنطوقة لوصف الحب، الجمال ليس حكماً منسوباً للفضيلة أو الخير وإن كان ينطوي عليهما، إنما هو كل ما يتمرد على أي قياس، إنه الحب في أعلى تجلياته” ([59]).

3- التصور الرمزي

اقترنت تسمية السيدات في الرواية بالكوكب “زحل” الذي ورد حوله، في كتاب يؤلفه الشيخ “قيدار”، الذي ظل الغائب الحاضر على مدار النص، عن موت المدن، أن زحل قال فيه الكندي “إن من طبعه البرد واليبس، وهو الذكر النهاري النحس المظلم بسواده، وتعلم فيما تعلمه أن نحس زحل يدوم ثلاثين سنة، وسعده ثلاثين أخرى“([60]). والشيخ “قيدار” يقرن الثلاثين الأولى، أو بدايتها بالحرب العراقية الإيرانية، ويقول وهو يحدق إلى النجوم عند خطف زوجته “فتنة”، وهو أشبه بالمجنون إنه “رأى كوكب زحل، وكان مشفقاً من ظهوره لاعتقاده بنحس سيحل بالبلاد“([61]). والتركيز هنا على “الكوكب الذكر” مقصود، فمقامه ليس كمقام الكواكب المؤنثة الثلاثة (عطارد والزهرة والأرض) في المخيال الميثولوجي والشعبي.إن هؤلاء السيدات، في الوقت الذي يقعن فيه تحت وطأة هذا الطالع المنحوس، فإنّهنّ يتطلعن إلى مقاومته بالسرد الحكائيّ لمصائرهنّ ومصائر الآخرين أيضاً، لأن طالع بغداد يشتبك بطالع نسائها.

وحول رمزية “زحل” في الرواية يشير الناقد عواد علي إلى أن المنجّمين “يسمونه بـ “الكوكب النحس” المؤثر على حظوظ الناس بالشر والمصائب، ويرمزون به إلى الدهر والموت والتشاؤم والمصائب والكوارث والأحزان…!“([62])، ويرى علي أن لطفية الدليمي تمثلت هذا التصور الرمزي الميثولوجي “في مزيج مركّب لإنتاج بنية دلالية تؤطر شخصياتها، التي دارت عليها رحى الحروب، وطحنتها كما تطحن حبات القمح، إلاّ بعضها ظل مقاوماً للموت والفناء، متمسكاً، على نحو عجيب، بالحياة، مصمماً على البحث عن خيط النور، ولملمة شظايا الواقع، مؤمناً بطاقة الحب والحلم على التغيير والخلاص“([63]).

لكن هذا التصور الرمزي، الذي قد يمثّل منظور الراوي الخارجي، أو معتقد الشيخ “قيدار” يتقاطع مع منظور بطلة الرواية “حياة البابلي” فترد عليه في حديثها مع خالتها: “كل بلاد تصنع قدرها بأيدي أناسها، وتجلب الأيدي النحس والدمار أو الخير والأمان. أفعالنا لا النجوم من يحدد مصيرنا” ([64]). وهو من دون شك منظور يعكس وعي نسوي واقعي وعلمي.

 

خاتمة

   انتهى البحث إلى مجموعة من النتائج البحثية يمكن إيجازها بالنقاط الآتية:

1-  مثلما يفرق المعنيون بالنظرية النسوية بين “النسائية” و”النسوية” ينبغي التمييز بين مصطلحين، أو مفهومين، يجري الخلط بينهما في بعض الأحيان، الأول هو “السرد النسائي” ، والثاني هو “السرد النسوي”.

2-  سعى “النقد النسوي” إلى تأكيد خصوصية “السرد النسوي”، بوصفه تمثيلاً لعالم المرأة، وتستمد هذه الخصوصية شرعيتها لأن المرأة تنتظم في سلسلة علاقات ثقافية وجسدية ونفسية مع العالم من جهة، ومع ذاتها من جهة أخرى،

3-  تقوم رواية “سيدات زحل” للطفية الدليمي على رؤية نسوية للأحداث المعاصرة والتاريخية والشخصيات والتجارب والقضايا التي تتناولها.

4-  تظهر بطلة الرواية وساردتها “حياة البابلي” شخصيةً روائية ملتبسةً، تتشظى في نساء أخريات دلالةً على تشظي الشخصية الاجتماعية في العراق التي دمّرت الحروب، والاحتلال الأجنبي، والقمع، والصراع الطائفي وحدتها النفسية، وتسببت في حالات الفقد والموت والغياب والاختطاف والاغتصاب. وكانت النساء أكثر تعرضاً لهذه الكوارث.

5-  منحت الإطلالات المتواصلة والعميقة في الرواية على محطات التاريخ المأساوية، وما خالطها من حقائق وأساطير وأوهام، طابعاً ملحمياً يزاوج بين الماضي والحاضر، ويستمد حضوره الطاغي منهما.

6-   تتداخل في أحداث الرواية الوقائع المعقولة باللامعقولة، والممكن بالمستحيل، حيث تصف في العديد من كراّساتها العالم العجائبي والمدهش الذي رافق سيرة بغداد منذ نشأتها حتى ما بعد الاحتلال الأمريكي، الأمر الذي يجعلها رواية تنتمي إلى “الواقعية السحرية”.

7-  تتسم الرواية بتفرد كل شخصية من شخصياتها بمسار محدد يتناسب مع سياقها السردي، لكن ما يجمع شخصياتها الرئيسة، وفي المقدمة منها النسائية، أنها لا تجد فكاكاً من مواجهة الطغاة والظلم والاغتراب سوى التوهم بفراديس غائبة، هي فراديس وعيها الداخلي، الذي يعادل في سيرورته ما هو مقابل لثنائية تعويضية للحضور إزاء الغياب، أو الحياة إزاء الموت.

8-  تتميز الرواية باتساعها المكاني والزماني، حيث تتوزع الأمكنة فيها على أمكنة واقعية وأسطورية وحلمية وافتراضية، مفتوحة ومغلقة، آمنة ومعادية، مجازية وهندسية، وأبرز هذه الأمكنة: السرداب، وبيت النساء الذين يؤديان وظائف سردية مختلفة. وزمنياً تجري أحداثها في عصور وحقب مختلفة: العصر السومري والبابلي والعباسي، وسنوات من الاحتلالين العثماني والإنجليزي للعراق، وصولاً إلى العقود الأخيرة.

9-   تتعد الأصوات، ومستويات الكتابة في الرواية، مما يمكن عدّها روايةً “بوليفونيةً” تجمع في بعض فصولها أصواتاً غيريةً (أصوات الآخرين) متباينة الرؤى والأسلوب واللغة واللهجة.

10-          توظف الرواية في بعض فصولها تقنية “الميتارواية”، التي تحكي أحداث الرواية من قلب الرواية الأساسية، وتكشف أسرارها ومراجعها.

11-          تتسم الرواية بجماليات مميزة، وصور شعرية آسرة، ساخنة كاوية حيناً، وموجعة حيناً، ودافئة رومانسية حيناً، وحكيمة متفلسفة حيناً.

12-          تقترن تسمية السيدات في الرواية بالكوكب “زحل”، الذي يشير، رمزياً، في المخيال الميثولوجي والشعبي إلى الطالع النحس الذي يجلب الشر والمصائب، لكن بطلة الرواية ترفض هذا الاقتران، من منظور يعكس وعي نسوي واقعي وعلمي، مؤكدةً أن أفعال البشر، لا النجوم، هي من يحدد المصائر.


( ([1]هاسلينجر، د. سالي ، توانا، نانسي، أوكونور، بيج ، “مفهوم النسوية” ترجمة: أحمد بركات، الموقع الإلكتروني: www.moslimonline.com.

[2]) ) المرجع نفسه.

(3) أحمد، عواد، “حول مفهوم النسوية أو “النسوانية” وتحرر المرأة”، الموقع الإلكتروني للحزب الشيوعي العمالي العراقي: www.wpiraq.net.

([4])www.oxforddictionaries.com/definition/english/feminism?q=feminism

(([6] هاسلينجر، سالي ، توانا، نانسي، أوكونور، “مفهوم النسوية “ترجمة أحمد بركات ، الموقع الإلكتروني www.moslimonline.com.

( ([7]الناصر، إبراهيم، “الحركة النسوية الغربية ومحاولات العولمة 1/2″، الموقع الإلكتروني: www.almoslim.net.

([8]) معمري، أحلام، “إشكالية الأدب النسوي بين المصطلح واللغة”، في: أبحاث الملتقى الدولي الأول في المصطلح النقدي،جامعة قاصدي مرباح – ورقلة : الجزائر ، مارس 2011،  ص 207.

([9]) علي، عواد، “تجربة المرأة العربية في قيادة العمل المسرحي، دمشق: مجلة الحياة المسرحية، العدد 67/68، 2009، ص 45.

([10]) صفوري، محمد قاسم، شعرية السرد النسوي العربي الحديث،1980-2007،رسالة دكتوراه، جامعة حيفا : فلسطين 2008، منشورة على شبكة الإنترنت ، صفحة المقدمة X.

([11]) لناعبدالرحمن ، الصحافة العربية، وكالة، “الرواية العربية تسلم قيادها للنساء”، 9/12/ 2013.

([12])المرجع نفسه.

([13]) خريس، سميحة، “الناقد المغربي سعيد يقطين: الأدب النسائي تسمية من خارج النص”، جريدة البيان، 25/6/ 1998.

([14]) علي، عواد، ” تجربة المرأة العربية في قيادة العمل المسرحي ” ،مرجع سابق ، ص 45.

([15]) إدريس، د. عبد النور، النقد الجندري: تمثلات الجسد الأنثوي في الكتابة النسائية، ط1، دار فضاءات : عمان ، 2013، ص 21.

([16]) معمري، أحلام، ” إشكالية الأدب النسوي بين المصطلح واللغة ، مرجع سابق ، ص 2.

([17]) حمودة، عبد العزيز، الخروج من التيه: دراسة في سلطة النص،  ط1، سلسلة عالم المعرفة (298)، المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب: الكويت ، 2003، ص296.

([18]) الرويلي، ميجان، البازعي، سعد، دليل الناقد الأدبي، ط3،المركز الثقافي العربي: بيروت – الدار البيضاء ، 2002، ص 331- 332.

([19]) إبراهيم، عبد الله، “الرواية النسائية العربية: تجليات الجسد والأنوثة”، مجلة علامات، العدد 17، 2002، ص 16.

([20]) الأعرجي، نازك، صوت الأنثى: دراسة في الكتابة النسوية العربية، ط1، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع: دمشق ، 1997، ص 36.

([21]) الجلاصي، زهرة، النص المؤنث، ط1، دار سراس : تونس ، 2000، ص 12.

([22]) ابراهيم، عبدالله ، ” الرواية النسائية العربية  “، مرجع السابق، ص 17.

([23]) عودة، ناظم، “سيدات زحل: التباس الهوية”، بغداد: جريدة المدى، 8/10/ 2011.

 ([24] ) الدليمي ، لطفية  ،سيدات زحل ،ط2، دار فضاءات للنشر والتوزيع : عمان 2013 ، غلاف الرواية.

([25]) المسعود، علي، “رواية “سيدات زحل” ضمير وطن وانحياز إلى الإنسان وحريته”، موقع “أدب وفن” الإلكتروني.

(3) عبيد، محمد صابر، “البركان السردي.. “سيدات زحل” الرواية المتفجرة”، جريدة الدستور: عمان ، 12/7/ 2013.  

([27]) الدليمي، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق ،ص9.

(2) ينظر: الأزرعي، سليمان. “سيدات زحل: شعرية السرد، عمّان: جريدة الرأي، 25/6/ 2010.

([29] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ،  مصدر سابق ، ص 180.

(2)  العاني ، شجاع ، ” التاريخ من منظور الضحايا والمهمشين : قراءة في رواية سيدات زحل ” ، بغداد : جريدة طريق الشعب ، 21-11-2010.  

([31] )الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق ، ص 56.

(1) عباس، لؤي حمزة، “سيدات زحل حكايات الخوف والاشتهاء” جريدة النهار: بيروت ، 5 آب 2011.

(2) عبيد، علي حسين. مسقط: مجلة نزوى، العدد 64، 2010.

([34] )الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق ، ص206.

([35] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ،  مصدر سابق ، ص 227.

([36] ) المصدر نفسه ، ص 214.

([37]) عبيد، محمد صابر، ” البركان السردي .. سيدات زحل”،  مرجع سابق.

[38])) عودة، ناظم، ” سيدات زحل : التباس الهوية “، مرجع سابق .

([39] ) الدليمي، لطفية  ، سيدات زحل ،مصدرسابق ، ص30 .

(2)  الفواز، علي حسن، “لطفية الدليمي تدون العوالم السرية لسيدات زحل” بغداد:  جريدة العالم 19/10/ 2010.

[41])) عودة، ناظم، ” سيدات زحل : التباس الهوية “، مرجع سابق .

([42] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ،مصدر سابق ، ص276.

([43] ) انظر المصدر السابق  ص 278- 279.

([44] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدا ت زحل ، مصدر سابق ،ص289.

([45] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق ،ص269.

([46] ) المصدر نفسه ،ص265.

([47] )  الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق ، ص311.

([48] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق ،ص337.

([49]) عودة، ناظم، ” سيدات  زحل : التباس الهوية ” مرجع سابق.

([50] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق، ص190.

([51]  ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق، ص171.

([52]) العاني، شجاع، ” التاريخ من منظور الضحايا والمهمشين : قراءة في رواية سيدات زحل “،مرجع سابق.

([53] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق، ص288.

([54] ) المصدر نفسه ، ص20.

([55] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق، ص21.

([56]) عبيد، علي حسن، “رواية لطفية الدليمي “سيدات زحل”: جماليات السرد الملحمي” المرجع السابق.

([57] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق، ص9.

([58] ) المصدر نفسه ، ص133.

([59] ) المصدر نفسه ، ص 331.

([60] )   المصدر نفسه ، ص 239.

([61] ) المصدر نفسه 283.

([62]) علي، عواد، “تأويل الحطام في بلاد الجنون”، الشارقة: الملحق الثقافي لجريدة الخليج، 28/1/ 2012.

([63]) علي، عواد، المرجع نفسه.

(*) تعرف الموسوعة البريطانية “الهوية الجندرية” بأنها “شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى، وفي الأغلب تطابق هذه الهوية الخصائص العضويةwww.britannica.com/search?query=Gender+Identity

([64] ) الدليمي ، لطفية  ، سيدات زحل ، مصدر سابق ، ص283.

جمالية التلقي في النص المسرحي النسخة المعتمدة

جمالية التلقي في النص المسرحي النسخة المعتمدة

تمثيلات المرأة

جمالية التلقي في النص المسرحي النسخة المعتمدة

الهوية والمسكوت عنه في روايتي بيضة النعامة ومزاج التماسيح

الهوية والمسكوت عنه في روايتي بيضة النعامة ومزاج التماسيح

الفضاء الدرامي النص المسرحي

الفضاء الدرامي النص المسرحي

التناص في مسرحيات مفلح العدوان

التناص في مسرحيات مفلح العدوان

C.V

السيرة الذاتية المعدلة د صبحة علقم

الاسم : د..صبحةأحمد علقم
WWW.ZUJ.EDU.JO االلكرتوين اجامعة بريد
ىاتف اجامعة 06 /4291511
رقم الفاكس – اجامعة 06/ 4291432
الكلية اآداب
القسم اللغة العربية وآداهبا
الرتبة االكادميية أستاذ مشارك
تاريخ احصول عليو 2013
التخصص اللغة العربية – أدب ونقد حديث
االىتمامات البحثية األدب احديث ونفده ودراسات ادرأة
ادؤىل العلمي
اجامعة الدولة السنة
الريموك األردن 2005
اخربة 8 سنوات

Name: Sabha Ahmed Alkam
E-mail WWW.ZUJ.EDU.JO
Phone 06 /4291511
Fax Number 06/ 4291432
Faculty Art
Department Arabic language and Literature
Academic Rank Associate Prof.
Year Rank Obtained 2013
Specialization Literature and Criticism Modern
Research Interest Literature and Criticism Modern
University Country Year
Qualification
Yarmouk Jordan 2005
Experience 8 Years

Contact

Please don’t hesitate to contact me for more information about my work.

Tel: +962-6-4291511
Fax: +962-6-4291432

No more, where are you going?

Go back to top or use the menu to your left to navigate.

Thanks for downloading!

Top