السياسات النقدية ( مثالية النظرية وخرافة التطبيق)

المقدمة

 

لقد كان الاقتصاد العالمي والقومي فيما مضى وحتى بداية السبعينيات من القرن المنصرم يُحكم ويُدار من قبل الحكومات القومية وبمساعدة المؤسسات الدولية بمرجعية القوانين والنظريات الاقتصادية، ويخضع في تطوره إلى ظروف بيئته المحلية والحاجات والمتطلبات والمصالح القومية، والتي كانت في أغلب الأحيان هي البوصلة التي تُوجه السياسات الاقتصادية والعلاقات الخارجية نحو تحقيق الأهداف وبسيطرة من قبل السلطات والمؤسسات المتخصصة التابعة للدولة.

إلا أنه مع بداية السبعينيات بدأ يظهر بوادر نظام اقتصادي جديد فوق قومي لم تعد تحتفظ فيه الدول القومية بهيمنتها على اقتصادياتها، لاغياً اقتصاد ما بين الدول (International) التي كانت تشكل الاقتصاديات القومية الكيانات الأساسية فيه. وكان ذلك جلياً في العامين 1979 و1980 وما تلاهما بتولي مارغريت تاتشر رئاسة الوزراء البريطانية، ورونالد ريغان الرئاسة الأمريكية والذين تبنيا السوق الحرة والخصخصة وإنهاء دور الدولة في التدخل في الحياة الاقتصادية وفك عقال الشركات سالخة الاقتصاد عن مرتكزه الاجتماعي، والقوانين والنظريات الاقتصادية، واضعة الدول القومية في وضع فقدان المكان والوزن والتأثير لوضع سياسات تضبط إيقاع اقتصادها ومصالحة القومية لصالح الشركات التي طاغ ميدان عملياتها لتحقيق الربح على كافة الاعتبارات القومية مخترقة مصالحه ومحرماته، عابثة بقدراته وفرصه بمعالجة مشاكله، مما يجعل الاقتصاد الكوني والقومي عرضة للأزمات، منزوع المناعة، فاقداً قدرة المقاومة.

Comments are closed.

Thanks for downloading!

Top